الأوّل: في الماء المطلق، وهو: كل ما يستحق إطلاق اسم الماء عليه من غير إضافة.
اعلم أنّه لما كان الماء منشأ حياة كلّ شيء حيث يعدّ الماء أصل كلّ شيء كما أشير إليه في قوله تعالىََ: وَ جَعَلْنََا مِنَ اَلْمََاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَ فَلاََ يُؤْمِنُونَ[1].
وبما أنّه منشأ لتحقق الحياة في العبادة إذا كانت مصبوغة بصبغة زبانية، أي منضّمة إلىََ قصد القربة إلى اللََّه، ومنه يحصل التطهر عن جميع الرذائل الظاهرية والباطنية، قدّم المصنّف بحثه علىََ سائر المباحث، وجعل بحثه فيه من جهات متعدِّدة وأطراف عديدة، ولذلك قال المصنّف: «وفيه أطراف».
{aالأوّل:a} في الماء المطلق، وقد عرّفه بما عرفت، وأورد عليه بشمول التعريف ما يوجب الدور، لأنّ المعرف (بالكسر) مشتمل على لفظ الإطلاق الموجود في المعرَّف (بالفتح)، المقصود تعريفه، ومعلوم أنّ معرفة الشيء إذا كان متوقِّفاً علىََ معرفة الآخر فإنّه يوجب الدور.
وأُجيب عنه بأنّ مقصود المصنّف مجرّد كشف معنى الاسم، وإبدال اللفظ المجهول بلفظ معلوم فلا دور، ولعلّه أراد بيان أنّه ليس بتعريف حقيقي حتىََ يرد عليه ذلك بل هو شرح للاسم، لأنّه من أوضح المفاهيم العرفية، ولا يحتاج إلى البيان.
مضافاً إلى إمكان أن يقال: بأنّ الإطلاق ليس مأخوذاً في حقيقة تعريفه، بل أخذ ذلك لذكر الامتياز عمّا يشابه ذلك في الاستعمالات، وأراد من ذلك تعيين ما هو المقصود منه، فلا محيص عن الاستفادة من قبيل هذه الألفاظ.
ثمّ لا يخفىََ عليك أنّ الإضافة الملحقة بلفظ الماء متفاوتة، لأنّ المضاف قد يكون معتصراً من الأجسام، كماء الرمّان والعنب وأمثال ذلك، أي في الحقيقة ليس بماء، بل يصح سلبه عنه عند العرف، ولذلك لا يستعمل إلّامع الإضافة، بحيث لو ذُكر لفظ الماء بلا ذكر جهة الإضافة، كما لو قيل: «جئني بماء» واُريد منه ذلك حقيقة، لخطّاءه أهل العرف واللغة لأنّه خارج عنه حقيقة معناه.
نعم يصح إطلاق لفظ الماء عليه بنوع من العناية، كأن يريد من الماء ما يكون مائعاً سائلاً رقيقاً، وبه يستعمل عليه بما لا يصح استعماله على الدهن كذلك.
وقد يكون ممتزجاً كالماء الذي صار مالحاً بالملح وموحلاً بالتراب، وأمثال ذلك، حيث أنّه في الحقيقة ماء، إلّاأنّه يمكن أن يبلغ في زيادة إضافته إلىََ مرتبة لا يصدق عليه ذلك العنوان، ومن هنا يظهر ويتحقّق الفرد المشكوك من المصاديق.